وغار حراء هو عبارة عن فجوة في الجبل، بابها نحو الشمال، طولها أربعة أذرع وعرضها ذراع وثلاثة أربعاع ويمكن لخمسة أشخاص فقط الجلوس فيها في آن واحد. والداخل لغار حراء يكون متجهاً نحو الكعبة المشرفة كما ويمكن للواقف على الجبل أن يرى مكة وابنيتها. غار حراء حيث كان يتعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقارب محمد(صلى الله عليه وسلم) سن الاربعين كانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه و بين قومه, و حبب إليه الخلاء, فكان يأخذ الماء و السويق, و يذهب إلى غار حراء على بعد نحو ميلين من مكة فيقيم فيه شهر رمضان و يقضى وقته فى العبادة و التفكر فيما حوله من مشاهد الكون و فيما وراءها من قدرة مبدعة, وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك, و لكن ليس لديه طريق واضح, و لا منهج محدد و لا طريق قاصد يطمئن إليه و يرضاه و كان اختياره لهذه العزلة طرفا من تدبير الله له، و ليكون انقطاعه عن شواغل الأرض و ضَجَّة الحياة و هموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، فيستعد لحمل الأمانة الكبرى و تغيير وجه الأرض، و تعديل خط التاريخ. . دبر الله له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات، ينطلق في هذه العزلة شهرًا من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، و يتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد التعامل مع هذا الغيب عندما يأذن الله.
[٥] نزول الوحي على الرسول إنّ نزول الوحي الأوّل على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان في غار حراء ، حيث كان الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- معتكفاً فيه مرّة فدخل عليه فجأة جبريل -عليه السّلام- بهيئة رجل لا يعرفه ولم يره من قبل، ولم يكن ذلك شيئاً مخيفاً إلى حدٍّ كبير إلّا إنّ ما أخاف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- هو الطريقة التي عامله بها، فقد قال جبريل -عليه السّلام- لرسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- مباشرةً عند دخوله عليه (اقرأ)، حيث كان الرّسول أميّاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يعرف ماذا يريد منه هذا الرجل فأجابه: (ما أنا بقارئ)، فقام جبريل -عليه السّلام- بالاقتراب من الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- واحتضانه بشدّة حتى بلغ به الجهد والتعب، ثمّ تركه وأعاد القول له: (اقرأ)، فأجاب رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- مرّةً أخرى: (ما أنا بقارئ)، فاحتضنه جبريل -عليه السّلام- مرّةً ثانية بشدّة حتى بلغ التعب من الرسول ثمّ تركه وأعاد الأمر عليه مرّةً ثالثة فقال له: (اقرأ)، فأجاب الرّسول مجدّداً: (ما أنا بقارئ)، فاحتضنه جبريل -عليه السّلام- مرّةً أخيرة بشدّة كبيرة حتى تعب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ تركه وقرأ عليه أوّل آيات نزلت من القرآن الكريم وهي قول الله عزّ وجلّ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
وقد كان هذا الاختلاء في الغار يريح نفس الرسول ، فينظر للكعبة من بعيد ويتذكر قصتها ، وقد كانت قريش تعلم علم اليقين بوجود الله ، فهم لم يدعوا أنهم غير موجود ، ولكنهم لتخذه معه أصنامهم آلهة أخرى للتقرب من الله ، ولما كانت ديانة سيدنا إبراهيم قد اندثرت نأى سيدنا محمد بنفسه عن وحل الأصنام وعبسها ، وابتعد عن شرائع النصرانية واليهود ، ولعل هذا من حفظ الله حتى لا يقال أنه نقل عنها شيء ، وأن ما أنزل إليه الحق. خلوة الرسول بعد البعثة: وبعد البعثة لم يعد الرسول يختلي بغار حراء ، ولكنه كان يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان بالمدينة ، وكأنه فعل ذلك ليعطي درسًا مهما للدعاة ليقوموا بعملهم ويخالطوا الناس ، وفي نفس الوقت يحافظوا على نقاء سريرتهم بالاختلاء ولو أيام معدودة في السنة ؛ لكي يعيدوا فيها ترتيب أوراق حياتهم ويصلحوا من أنفسهم ؛ حتى يستطيعوا بعدها إصلاح المجتمع. موقف خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من خلوة الرسول: ضربت السيدة خديجة رضي الله عنها أروع الأمثلة للسيدة الصالحة التي توأزر زوجها وتقف إلى جواره ، فقد كانت تقف إلى جوار الرسول صّل الله عليه وسلم في خلوته ، وتشجعه عليها رغم أن هذا كان أمرًا مستغربًا في مكة ، ورغم أن الغار كان في مكان موحش ، ولكنها كانت تثق بقرارات زوجها ، ورغم غيابه الكثير عليها لم تنهه عن الخلوة ، بل كانت تُشَجِّعه وتُسانده ، وهذه في الحقيقة صفة مهمة صفات الزوجة الصالحة ، حيث تقف مع زوجها فيما يريد ، وتُؤَيِّده وتُشَجِّعه ، وتكون عضدًا له في اختياراته ، فهذا من أفضل الأمور التي تقوي الرابطة بين الرجل وزوجته.
قصة غار حراء مع النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى غار حراء في جبل قريب جبل النور. كان يأخذ معه طعامه وشرابه ويبقى في الغار أيامًا طويلة. يتفكّر فيمن خلق هذا الكون … وفي يوم من أيام شهر رمضان وبينما كان رسول صلى الله وعليه وسلم يتفكّر في خلق السموات والأرض أنزل الله تعالى عليه الملك جبريل، وقال للرسول: "اقرأ" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ"، وكرّرها عليه جبريل ثلاث مرّات، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في كل مرّة: "ما أنا بقارئ". وفي المرّة الأخيرة قال الملك جبريل عليه السلام: "اقرأ باسم ربّك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربّك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم" وكانت هذه الآيات الكريمة أوّل ما نزل من القرآن الكريم. حفظ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما قاله جبريل عليه السلام. عاد الرسول صلى الله عليه وسلم خائفًا مذعورًا إلى زوجته السيدة خديجة وكان يرتجف فقال لها:"زمّليني، زمّليني" (أي غطّيني). ولما هدأت نفسه وذهب عنه الخوف أخبر زوجته بما رأى وسمع فطمأنته وقالت له: "أبشر يا ابن عم، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة". كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأربعين من عمره عندما أنزل عليه القران الكريم.
أي أنّها تتحقّق كاملة بحذافيرها، وكانت زوجته السيدة خديجة هي أوّل من آمنت معه وبرسالته التي حمّلها الله تعالى له، ثم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن الصبيان كان علياً بن أبي طالب. الجهر بالدعوة بقيت دعوة النبي عليه السلام سرّاً لمدّة ثلاث سنوات يلتقي المسلمون فيها مع النبي في دار الأرقم ولقي فيها الأذى الشديد من كفار قريش حتى أذن له الله تعالى بالجهر بدعوته فزاد أذى قريش لهم حتى هاجروا إلى الحبشة، وكان يُعرف أنّ ملكها لا يظلم أحد عنده ثمّ أذن لهم النبي عليه السلام بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الثانية ـ وهناك تمّ بناء أوّل مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء ـ وبقي عليه السلام في المدينة المنورة حتى توفي فيها ودفن في بيته وبالتحديد في حِجر زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها.